فصل: واختلفوا في الجواهر هل هي كلها أجسام أو قد يجوز وجود جواهر ليست بأجسام

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين **


  ذكر قول الضرارية

أصحاب ضرار بن عمر والذي فارق ضرار بن عمرو به المعتزلة قوله أن أعمال العباد مخلوقة وأن فعلاً واحداً لفاعلين أحدهما خلقه وهو الله والآخر اكتسبه وهو العبد وأن الله عز وجل فاعل لأفعال العباد في الحقيقة وهم فاعلون لها في الحقيقة وكان يزعم أن الاستطاعة قبل الفعل ومع الفعل وأنها بعض المستطيع وأن الإنسان أعراض مجتمعة وكذلك الجسم أعراض مجتمعة من لون وطعم ورائحة وحرارة وبرودة ومجسة وغير ذلك وأن الأعراض قد يجوز أن تنقلب أجساماً وأبى ذلك أكثر الناس وأن الإنسان قد يفعل الطول والعرض والعمق وإن كان ذلك أبعاضاً للجسم‏.‏

وكلن يزعم أن كل ما تولد عن فعله كالألم الحادث عن الضربة وذهاب الحجر الحادث عن الدفعة وكان يزعم أن معنى أن الله قادر أنه ليس بجاهل ولا عاجز وكذلك كان يقول في سائر صفات البارئ لنفسه‏.‏

وحكي عنه أنه كان ينكر حرف ابن مسعود ويشهد أن الله سبحانه لم ينزله وكذلك حرف أبي بن كعب وأنه كان يزعم أنه لا يدري لعل سرائر العامة كلها كفر وتكذيب قال‏:‏ ولو عرضوا علي إنساناً لوسعني أن أقول لعله يضمر الكفر قال وكذلك إذا سئلت عنهم جميعاً قلت لا أدري لعلهم يسرون الكفر‏.‏

وكان يزعم أن الله سبحانه يخلق حاسة سادسة يوم القيامة للمؤمنين يرون بها ماهيته أي ما هو وقد تابعه على ذلك حفص الفرد وغيره‏.‏

ذكر قول الحسينية الحسين بن محمد النجار زعم الحسين بن محمد النجار وأصحابه وهم الحسينية أن أعمال العباد مخلوقة لله وهم فاعلون لها وأنه لا يكون في ملك الله سبحانه إلا ما يريده وأن الله سبحانه لم يزل مريداً أن يكون في وقته ما علم أنه يكون في وقته مريداً أن لا يكون ما علم أنه لا يكون‏.‏

وأن الاستطاعة لا يجوز أن تتقدم الفعل وأن العون من الله سبحانه يحدث في حال الفعل مع الفعل وهو الاستطاعة وأن الاستطاعة الواحدة لا يفعل بها فعلان وأن لكل فعل استطاعة تحدث معه إذا حدث وأن الاستطاعة لا تبقى وأن في وجودها وجود الفعل وفي عدمها عدم الفعل وأن استطاعة الإيمان توفيق وتسديد وفضل ونعمة وإحسان وهدى وأن استطاعة الكفر ضلال وخذلان وبلاء وشر وأنه جائز كون الطاعة في حال المعصية التي هي تركها بأن لا تكون كانت المعصية التي هي تركها في ذلك الوقت وبأن لا يكون كان الوقت وقتاً للمعصية التي هي تركها‏.‏

وأن المؤمن مؤمن مهتد وفقه الله سبحانه وهداه وأن الكافر مخذول خذله الله سبحانه وأضله وطبع على قلبه ولم يهده ولم ينظر له وخلق كفره ولم يصلحه ولو نظر له وأصلحه لكان صالحاً‏.‏

وأنه جائز أن يؤلم الأطفال في الآخرة وجائز أن يتفضل عليهم فلا يؤلمهم‏.‏

وأن الله سبحانه لو لطف بجميع الكافرين لآمنوا وهو قادر أن يفعل بهم من الألطاف ما لو فعله بهم لآمنوا وأن الله سبحانه كلف الكفار ما لا يقدرون عليه لتركهم له لا لعجز حل فيهم ولا لآفة نزلت بهم‏.‏

وأن الإنسان لا يفعل في غيره وأنه لا يفعل الأفعال إلا في نفسه كنحو الحركات والسكون والإرادات والعلوم والكفر والإيمان وأن الإنسان لا يفعل ألماً ولا إدراكاً ولا رؤية ولا يفعل شيئاً على طريق التولد - وكان برغوث يميل إلى قوله ويزعم أن الأشياء المتولدة فعل الله بإيجاب الطبع وذلك أن الله سبحانه طبع الحجر طبعاً يذهب إذا دفع وطبع الحيوان طبعاً يألم إذا ضرب وقطع -‏.‏

وكان يزعم أن الله سبحانه لم يزل جواداً بنفي البخل عنه وأنه لم يزل متكلماً بمعنى أنه لم يزل غير عاجز عن الكلام وأن كلام الله سبحانه محدث مخلوق‏.‏

وكان يقول في التوحيد بقول المعتزلة إلا في باب الإرادة والجود وكان يخالفهم في القدر ويقول بالإرجاء‏.‏

وكان يزعم أنه جائز أن يحول الله سبحانه العين إلى القلب ويجعل في العين قوة القلب فيرى الله سبحانه الإنسان بعينه أي يعلمه بها وكان ينكر الرؤية لله عز وجل بالأبصار على غير هذا الوجه‏.‏

وكان يقول أن الميت يموت بأجله وكذلك المقتول يقتل بأجله‏.‏

وأن الله سبحانه يرزق الحلال ويرزق الحرام وأن الرزق على ضربين‏:‏ رزق غذاء ورزق ملك‏.‏

وهم أصحاب بكر بن أخت عبد الواحد بن زيد والذي كان يذهب إليه في الكبائر التي تكون من أهل القبلة أنها نفاق كلها وأن مرتكب الكبيرة من أهل الصلاة عابد للشيطان مكذب لله سبحانه جاحد له منافق في الدرك الأسفل من النار مخلد فيها أبداً إن مات مصراً وأنه ليس في قلبه لله عز وجل إجلال ولا تعظيم وهو مع ذلك مؤمن مسلم وأن في الذنوب ما هو صغير وأن الإصرار على الصغائر كبائر‏.‏

وكان يزعم أن الإنسان إذا طبع الله سبحانه على قلبه لم يكن مخلصاً أبداً وحكى عنه زرقان أن الإنسان مأمور بالإخلاص مع الطبع وأن الطبع الحائل بينه وبين الإخلاص عقوبة له وأنه مأمور بالإيمان مع الطبع الحائل بينه وبين الإيمان‏.‏

وحكى زرقان عن عبد الواحد بن زيد أنه كان يقول أنه غير مأمور بالإخلاص وحكى بعض أصحابه عنه أنه كان ينكر الأمر بما قد حيل بينه وبينه‏.‏

وكان يزعم أن القاتل لا توبة له وكان يزعم أن الأطفال الذين في المهد لا يألمون ولو قطعوا وفصلوا ويجوز أن يكون الله سبحانه لذذهم عندما يضربون ويقطعون‏.‏

وكان يقول في علي والطلحة والزبير أنهم مغفور لهم قتالهم وأنه كفر وشرك وزعم أن الله سبحانه اطلع إلى أهل بدر فقال‏:‏ اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم‏.‏

وكان يزعم أن الإنسان هو الروح وكذلك جميع الحيوان ولم يكن يجوز أن يحدث الله في جماد شيئاً من الحياة والعلم والقدرة‏.‏

وكان يزعم أن الله هو المخترع للألم عند الضربة وقد يجوز عنده أن يحدث الضربة ولا يحدث الله ألماً وكذلك قوله في باب التولد‏.‏

وحكى عنه أن الله بكل مكان‏.‏

وكان يقول أن الاستطاعة قبل الفعل فيما حكى عنه زرقان‏.‏

وكان يحرم أكل الثوم والبصل لأنه حرام على الإنسان أن يقرب المسجد إذا أكلهما وكان يرى الوضوء من قرقرة البطن‏.‏

هذه حكاية قول قوم من النساك وفي الأمة قوم ينتحلون النسك يزعمون أنه جائز على الله سبحانه الحلول في الأجسام وإذا رأوا شيئاً يستحسنونه قالوا‏:‏ لا ندري لعله ربنا‏.‏

ومنهم من يقول أنه يرى الله سبحانه في الدنيا على قدر الأعمال فمن كان عمله أحسن رأى معبوده أحسن‏.‏

ومنهم من يجوز على الله سبحانه المعانقة والملامسة والمجالسة في الدنيا وجوزوا مع ذلك على الله - تعالى عن قولهم - أن نلمسه‏.‏

ومنهم من يزعم أن الله سبحانه ذو أعضاء وجوارح وأبعاض لحم ودم على صورة الإنسان له ما للإنسان من الجوارح تعالى ربنا عن ذلك علواً كبيراً‏.‏

وكان في الصوفية رجل يعرف بأبي شعيب يزعم أن الله يسر ويفرح بطاعة أوليائه ويغتم ويحزن إذا عصوه‏.‏

وفي النساك قوم يزعمون أن العبادة تبلغ بهم إلى منزلة تزول عنهم العبادات وتكون الأشياء المحظورات على غيرهم من الزنا وغيره مباحات لهم وفيهم من يزعم أن العبادة تبلغ بهم أن يروا الله سبحانه ويأكلوا من ثمار الجنة ويعانقوا الحور العين في الدنيا ويحاربوا الشياطين ومنهم من يزعم أن العبادة تبلغ بهم إلى أن يكونوا أفضل من لنبين والملائكة المقربين‏.‏

هذه حكاية جملة قول أصحاب الحديث وأهل السنة جملة ما عليه أهل الحديث والسنة الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله وما جاء من عند الله وما رواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يردون من ذلك شيئاً وأن الله سبحانه إله واحد فرد صمد لا إله غيره لم يتخذ صاحبة ولا ولداً وأن محمداً عبده ورسوله وأن الجنة حق وأن النار حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور‏.‏

وأن الله سبحانه على عرشه كما قال‏:‏ ‏"‏ الرحمن على العرش استوى ‏"‏ وأن له يدين بلا كيف كما قال‏:‏ ‏"‏ خلقت بيدي ‏"‏ وكما قال‏:‏ ‏"‏ بل يداه مبسوطتان ‏"‏ وأن له عينين بلا كيف كما قال‏:‏ ‏"‏ تجري بأعيننا ‏"‏ وأن له وجهاً كما قال‏:‏ ‏"‏ ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ‏"‏‏.‏

وأن أسماء الله لا يقال أنها غير الله كما قالت المعتزلة والخوارج وأقروا أن الله سبحانه علماً كما قال‏:‏ ‏"‏ أنزله بعلمه ‏"‏ وكما قال‏:‏ ‏"‏ وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه ‏"‏‏.‏

وأثبتوا السمع والبصر ولم ينفوا ذلك عن الله كما نفته المعتزلة وأثبتوا لله القوة كما قال‏:‏ ‏"‏ أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة ‏"‏‏.‏

وقالوا أنه لا يكون في الأرض من خير ولا شر إلا ما شاء الله وأن الأشياء تكون بمشيئة الله كما قال عز وجل‏:‏ ‏"‏ وما تشاؤون إلا أن يشاء الله ‏"‏ وكما قال المسلمون‏:‏ ما شاء الله كان وما لا يشاء لا يكون‏.‏

وقالوا أن أحداً لا يستطيع أن يفعل شيئاً قبل أن يفعله أو يكون أحد يقدر أن يخرج عن علم الله أو أن يفعل شيئاً علم الله أنه لا يفعله وأقروا أنه لا خالق إلا الله وأن سيئات العباد يخلقها الله وأن أعمال العباد يخلقها الله عز وجل وأن العباد لا يقدرون أن يخلقوا شيئاً‏.‏

وأن الله سبحانه وفق المؤمنين لطاعته وخذل الكافرين ولطف بالمؤمنين ونظر لهم وأصلحهم وهداهم ولم يلطف بالكافرين ولا أصلحهم ولا هداهم ولو أصلحهم لكانوا صالحين ولو هداهم لكانوا مهتدين وأن الله سبحانه يقدر أن يصلح الكافرين ويلطف بهم حتى يكونوا مؤمنين ولكنه أراد أن لا يصلح الكافرين ويلطف بهم حتى يكونوا مؤمنين ولكنه أراد أن يكونوا كافرين كما علم وخذلهم وأضلهم وطبع على قلوبهم وأن الخير والشر بقضاء الله وقدره ويؤمنون بقضاء الله وقدره خيره وشره حلوه ومره ويؤمنون أنهم لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله كما قال ويلجئون أمرهم إلى الله سبحانه ويثبتون الحاجة إلى الله في كل وقت والفقر إلى الله في كل حال‏.‏

ويقولون أن القرآن كلام الله غير مخلوق والكلام في الوقف واللفظ من قال باللفظ أو بالوقف فهو مبتدع عندهم لا يقال اللفظ بالقرآن مخلوق ولا يقال غير مخلوق‏.‏

ويقولون أن الله سبحانه يرى بالأبصار يوم القيامة كما يرى القمر ليلة البدر يراه المؤمنون ولا يراه الكافرون لأنهم عن الله محجوبون قال الله عز وجل‏:‏ ‏"‏ كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ‏"‏ وأن موسى عليه السلام سأل الله سبحانه الرؤية في الدنيا وأن الله سبحانه تجلى للجبل فجعله دكاً فأعلمه بذلك أنه لا يراه في الدنيا بل يراه في الآخرة‏.‏

ولا يكفرون أحداً من أهل القبلة بذنب يرتكبه كنحو الزنا والسرقة وما أشبه ذلك من الكبائر وهم بما معهم من الإيمان مؤمنون وإن ارتكبوا الكبائر والإيمان عندهم هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وبالقدر خيره وشره حلوه ومره وأن ما أخطأهم لم يكن ليصيبهم وما أصابهم لم يكن ليخطئهم والإسلام هو أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله على ما جاء في الحديث والإسلام عندهم غير الإيمان‏.‏

ويقرون بأنه الله سبحانه مقلب القلوب‏.‏

ويقرون بشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنها لأهل الكبائر من أمته وبعذاب القبر وأن الحوض حق والصراط حق والبعث بعد الموت حق والمحاسبة من الله عز وجل للعباد حق والوقوف بين يدي الله حق‏.‏

ويقرون بأن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ولا يقولون مخلوق ولا غير مخلوق ويقولون‏:‏ أسماء الله هي الله ولا يشهدون على أحد من أهل الكبائر بالنار ولا يحكمون بالجنة لأحد من الموحدين حتى يكون الله سبحانه ينزلهم حيث شاء ويقولون‏:‏ أمرهم إلى الله إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم ويؤمنون بأن الله سبحانه يخرج قوماً من الموحدين من النار على ما جاءت به الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وينكرون الجدل والمراء في الدين والخصومة في القدر والمناظرة فيما يتناظر فيه أهل الجدل ويتنازعون فيه من دينهم بالتسليم للروايات الصحيحة ولما جاءت به الآثار التي رواها الثقات عدلاً عن عدل حتى ينتهي ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يقولون كيف ولا لم لأن ذلك بدعة‏.‏

ويقولون أن الله لم يأمر بالشر بل نهى عنه وأمر بالخير ولم يرض بالشر وإن كان مريداً له‏.‏

ويعرفون حق السلف الذين اختارهم الله سبحانه لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ويأخذون بفضائلهم ويمسكون عما شجر بينهم صغيرهم وكبيرهم ويقدمون أبا بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علياً رضوان الله عليهم ويقرون أنهم الخلفاء الراشدون المهديون أفضل الناس كلهم بعد النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

ويصدقون بالأحاديث التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله سبحانه ينزل إلى السماء الدنيا فيقول هل من مستغفر كما جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويأخذون بالكتاب والسنة كما قال الله عز وجل‏:‏ ‏"‏ فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ‏"‏ ويرون اتباع من سلف من أيمة الدين وأن لا يبتدعوا في دينهم ما لم يأذن به الله‏.‏

ويقرون أن الله سبحانه يجيء يوم القيامة كما قال‏:‏ ‏"‏ وجاء ربك والملك صفاً صفاً ‏"‏ وأن الله يقرب من خلقه كيف يشاء كما قال‏:‏ ‏"‏ ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ‏"‏‏.‏

ويرون العيد والجمعة والجماعة خلف كل إمام بر وفاجر ويثبتون المسح على الخفين سنة ويرونه في الحضر والسفر ويثبتون فرض الجهاد للمشركين منذ بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم إلى آخر عصابة تقاتل الدجال وبعد ذلك‏.‏

ويرون الدعاء لأيمة المسلمين بالصلاح وأن لا يخرجوا عليهم بالسيف وأن لا يقاتولا في الفتنة ويصدقون بخروج الدجال وأن عيسى بن مريم يقتله‏.‏

ويؤمنون بمنكر ونكير والمعراج والرؤيا في المنام وأن الدعاء لموتى المسلمين والصدقة عنهم بعد موتهم تصل إليهم‏.‏

ويصدقون بأن في الدنيا سحرة وأن الساحر كافر كما قال الله وأن السحر كائن موجود في الدنيا‏.‏

ويرون الصلاة على كل من مات من أهل القبلة برهم وفاجرهم وموارثتهم‏.‏

ويقرون أن الجنة والنار مخلوقتان‏.‏

وأن من مات مات بأجله وكذلك من قتل قتل بأجله‏.‏

وأن الأرزاق من قبل الله سبحانه يرزقها عباده حلالاً كانت أم حراماً وأن الشيطان يوسوس للإنسان ويشككه ويخبطه‏.‏

وأن الصالحين قد يجوز أن يخصهم الله بآيات تظهر عليهم‏.‏

وأن السنة لا تنسخ بالقرآن‏.‏

وأن الأطفال أمرهم إلى الله إن شاء عذبهم وإن شاء فعل بهم ما أراد وأن الله عالم بالعباد عاملون وكتب أن ذلك يكون وأن الأمور بيد الله ويرون الصبر على حكم الله والأخذ بما أمر الله به والانتهاء عما نهى الله عنه وإخلاص العمل والنصيحة للمسلمين ويدينون بعبادة الله في العابدين والنصيحة لجماعة المسلمين واجتناب الكبائر والزنا وقول الزور والعصبية والفخر والكبر والإزراء على الناس والعجب‏.‏

ويرون مجانبة كل داع إلى بدعة والتشاغل بقراءة القرآن وكتابة الآثار والنظر في الفقه مع التواضع والاستكانة وحسن الخلق وبذل المعروف وكف الأذى وترك الغيبة والنميمة والسعاية وتفقد المأكل والمشرب‏.‏

فهذه جملة ما يأمرون به ويستعملونه ويرونه وبكل ما ذكرنا من قولهم نقول وإليه نذهب وما توفيقنا إلا بالله وهو حسبنا ونعم الوكيل وبه نستعين وعليه نتوكل وإليه المصير‏.‏

فإنهم يقولون بأكثر ما ذكرناه عن أهل السنة ويثبتون أن البارئ تعالى لم يزل حياً عالماً قادراً سميعاً بصيراً عزيزاً عظيماً جليلاً كبيراً كريماً مريداً متكلماً جواداً ويثبتون العلم والقدرة والحياة والسمع والبصر والعظمة والجلال والكبرياء والإرادة والكلام صفات لله سبحانه ويقولن أن أسماء الله سبحانه وصفاته لا يقال هي غيره ولا يقال أن علمه غيره كما قالت الجهمية ولا يقال أن علمه هو هو كما قال بعض المعتزلة وكذلك قولهم في سائر الصفات ولا يقولون العلم هو القدرة ولا يقولون غير القدرة ويزعمون أن الصفات قائمة بالله وأن الله لم يزل راضياً عمن يعلم أنه يموت مؤمناً ساخطاً على من يعلم أنه يموت كافراً وكذلك قوله في الولاية والعداوة والمحبة‏.‏

وكان يزعم أن القرآن كلام الله غير مخلوق وقوله في القدر كما حكينا عن أهل السنة والحديث وكذلك قوله في أهل الكبائر وكذلك قوله في رؤية الله سبحانه بالأبصار‏.‏

وكان يزعم أن البارئ لم يزل ولا مكان ولا زمان قبل الخلق وأنه على ما لم يزل عليه وأنه مستو على عرشه كما قال وأنه فوق كل شيء تعالى‏.‏

ذكر قول زهير الأثري فأما أصحاب زهير الأثري فإن زهيراً كان يقول أن الله سبحانه بكل مكان وأنه مع ذلك مستو على عرشه وأنه يرى بالأبصار بلا كيف وأنه موجود الذات بكل مكان وأنه ليس بجسم ولا محدود ولا يجوز عليه الحلول والمماسة ويزعم أن يجيء يوم القيامة كما قال‏:‏ ‏"‏ وجاء ربك ‏"‏ بلا كيف‏.‏

ويزعم أن القرآن كلام الله محدث غير مخلوق وأن القرآن يوجد في أماكن كثيرة في وقت واحد وأن إرادة الله سبحانه ومحبته قائمتان بالله‏.‏

ويقول بالاستثناء كما يقول أصحاب الاستثناء من المرجئة الذين حكينا قولهم في الوعيد ويقول في القدر بقول المعتزلة ويزعم هو وسائر المرجئة أن الفساق من أهل القبلة مؤمنون بما معهم من الإيمان فاسقون بارتكاب الكبائر وأمرهم إلى الله سبحانه إن شاء عذبهم وإن شاء عفا عنهم‏.‏

أبو معاذ التومني فإنه يوافق زهيراً في أكثر أقواله ويخالفه في القرآن ويزعم أن كلام الله حدث غير محدث ولا مخلوق وهو قائم بالله لا في مكان وكذلك قوله في إرادته ومحبته‏.‏

هذا آخر الكلام في الجليل‏.‏

هذا ذكر اختلاف الناس في الدقيق فقال قائلون‏:‏ الجسم هو ما احتمل الأعراض كالحركات والسكون وما أشبه ذلك فلا جسم إلا ما احتمل الأعراض ولا ما يحتمل أن تحل الأعراض فيه إلا جسم وزعموا أن الجزء الذي لا يتجزأ جسم يحتمل الأعراض وكذلك معنى الجوهر أنه يحتمل الأعراض وهذا قول أبي الحسين الصالحي وزعم صاحب هذا القول أن الجزء محتمل لجميع أجناس الأعراض غير أن التأليف لا يسمى حتى يكون تأليف آخر ولكن أحدهما قد يجوز على الجزء ولا نسميه تأليفاً اتباعاً للغة قالوا‏:‏ وذلك أن أهل اللغة لم يجيزوا مماسة لا شيء قالوا‏:‏ فإنما سمي ذلك عند مجامعة الآخر له وإلا فحظه من ذلك قد يقدر الله سبحانه أن يحدثه فيه وإن لم يكن آخر معه إذا كان يقوم به ولا يقوم بأخيه وشبهوا ذلك بالإنسان يحرك أسنانه فإن كان فيه شيء فذلك مضغ وإن لم يكن في فيه شيء لم يسم ذلك مضغاً‏.‏

وقال قائلون‏:‏ الجسم إنما كان جسماً للتأليف والاجتماع وزعم هؤلاء أن الجزء الذي لا يتجزأ إذا جامع جزءاً آخر لا يتجزأ فكل واحد منهما جسم في حال الاجتماع لأنه مؤتلف بالآخر فإذا افترقا لم يكونا ولا واحد منهما جسماً وهذا قول بعض البغداذيين وأظنه عيسى الصوفي‏.‏

وقال قائلون‏:‏ معنى الجسم أنه مؤتلف وأقل الأجسام جزءان ويزعمون أن الجزأين إذا تألفا فليس كل واحد منهما جسماً ولكن الجسم هو الجزءان جميعاً وأنه يستحيل أن يكون التركيب في واحد والواحد يحتمل اللون والطعم والرائحة وجميع الأعراض إلا التركيب وأحسب هذا القول للإسكافي‏.‏

وزعموا أن قول القائل‏:‏ يجوز أن يجمع إليهما ثالث خطأ محال لأن كل واحد منهما مشغل لصاحبه وإذا أشغله لم يكن للآخر مكان لأنه إن كان جزءان مكانهما واحد فقد ماس الشيء أكثر من قدره ولو جاز ذلك جاز أن تكون الدنيا تدخل في قبضة فلهذا قال‏:‏ لا يماس الشيء أكثر من قدره وهذا قول أبي بشر صالح بن أبي صالح ومن وافقه‏.‏

وقال أبو الهذيل‏:‏ الجسم هو ما له يمين وشمال وظهر وبطن وأعلى وأسفل وأقل ما يكون الجسم ستة أجزاء أحدهما يمين والآخر شمال وأحدهما ظهر والآخر بطن وأحدهما أعلى والآخر أسفل وأن الجزء الواحد الذي لا يتجزأ يماس ستة أمثاله وأنه يتحرك ويسكن ويجامع غيره ويجوز عليه الكون والمماسة ولا يحتمل اللون والطعم والرائحة ولا شيئاً من الأعراض غير ما ذكرنا حتى تجتمع هذه الستة الأجزاء فإذا اجتمعت فهي الجسم وحينئذ يحتمل ما وصفنا‏.‏

وزعم بعض المتكلمين أن الجزأين اللذين لا يتجزأان يحلهما جميعاً التأليف وأن التأليف الواحد يكون في مكانين وهذا قول الجبائي‏.‏

وقال معمر‏:‏ هو الطويل العريض العميق وأقل الأجسام ثمانية أجزاء فإذا اجتمعت الأجزاء وجبت الأعراض وهي تفعلها بإيجاب الطبع وأن كل جزء يفعل في نفسه ما يحله من الأعراض وزعم أنه إذا انضم جزء إلى جزء حدث طول وأن العرض يكون بانضمام جزأين إليهما وأن العمق يحدث بأن يطبق على أربعة أجزاء أربعة أجزاء فتكون الثمانية الأجزاء جسماً عريضاً طويلاً عميقاً‏.‏

وقال هشام بن عمر الفوطي أن الجسم ستة وثلاثون جزءاً بل يتجزأ وذلك أنه جعله ستة أركان وجعل كل ركن منه ستة أجزاء فالذي قال أبو الهذيل أنه جزء جعله هشام ركناً وزعم أن الأجزاء لا تجوز عليها المماسة وأن المماسات للأركان وأن الأركان التي كل ركن منها ستة أجزاء ليست الستة الأجزاء مماسة ولا مباينة ولا يجوز ذلك إلا على الأركان فإذا كان كذلك فهو محتمل لجميع الأعراض من اللون والطعم والرائحة والخشونة واللين والبرودة وما أشبه ذلك‏.‏

وقال قائلون‏:‏ الجسم الذي سماه أهل اللغة جسماً هو ما كان طويلاً عريضاً عميقاً ولم يحدوا في ذلك عدداً من الأجزاء وإن كان لأجزاء الجسم عدد معلوم‏.‏

وقال هشام بن الحكم‏:‏ معنى الجسم أنه موجود وكان يقول‏:‏ إنما أريد بقولي جسم أنه موجود وأنه شيء وأنه قائم بنفسه‏.‏

وقال النظام‏:‏ الجسم هو الطويل العريض العميق وليس لأجزائه عدد يوقف عليه وأنه لا نصف وقال عباد بن سليمان‏:‏ الجسم هو الجوهر والأعراض التي لا ينفك منها وما كان قد ينفك منها من الأعراض فليس ذلك من الجسم بل ذلك غير الجسم وكان يقول‏:‏ الجسم هو المكان ويعتل في البارئ تعالى أنه ليس بجسم بأنه لو كان جسماً لكان مكاناً ويعتل أيضاً بأنه لو كان جسماً لكان له نصف‏.‏

وقال ضرار بن عمرو‏:‏ الجسم أعراض ألفت وجمعت فقامت وثبتت فصارت جسماً يحتمل العراض إذا حل والتغيير من حال إلى حال وتلك الأعراض هي ما لا تخلو الأجسام منه أو من ضده نحو الحياة والموت اللذين لا يخلو الجسم من واحد منهما والألوان والطعوم التي لا ينفك من واحد من جنسها وكذلك الزنة كالثقل والخفة وكذلك الخشونة واللين والحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة وكذلك الصمد فأما ما ينفك منه ومن ضده فليس ببعض له عنده وذلك كالقدرة والألم والعلم والجهل وليس يجوز عنده أن تجتمع هذه الأعراض وتصير أجساداً بعد وجودها ومحال أن يفعل بها ذلك إلا في حال ابتدائها لأنها لا تخرج إلى الوجود إلا مجتمعة وقد يمكن أن يجتمع عنده كلها وهي موجودة ومحال أن يفترق كلها وهي موجودة لأنها لو افترقت مع الوجود لكان اللون موجوداً لا لملون والحياة موجودة لا لحي فإذا قلت له‏:‏ فليس يجوز على هذا القياس عليها الافتراق قال مرة‏:‏ افتراقها فناؤها وقال مرة‏:‏ الافتراق يجوز على الجسمين فأما أبعاض الجسم مع الوجود فلا وقد يجوز عنده أن يفنى بعض الجسم وهو موجود على أن يجعل مكانه ضده فإن لم يختلف الضدان يفن مع البعض وليس يجوز عنده أن يفنى الأكثر ولا النصف على هذه الشريطة لأن الحكم فيما زعم للأغلب فإذا كان الأغلب باقياً كانت سمة الجسم باقية وإذا ارتفع الأغلب لم تبق السمة على الأقل وقد يجوز عنده أن يفني الله بعضه ويحدث ضده وهو متحرك فيكون الكل الذي منه البعض الحادث في حال وجود الحركة متحركاً بتلك الحركة وكذلك لو كان ساكناً ومحال أن تقع الحركة عنده على شيء من الأعراض وإنما تقع على الجسم الذي هو أعراض مجتمعة‏.‏

وزعم سليمان بن جرير أن الاستطاعة هي أحد أبعاض الجسم كاللون والطعم وأنها مجاورة للجسم‏.‏

 واختلف الناس في الجوهر وفي معناه على أربعة أقاويل‏:‏ فقالت النصارى‏:‏ الجوهر هو القائم بذاته وكل قائم بذاته فجوهر وكل جوهر فقائم بذاته‏.‏

وقال بعض المتفلسفة‏:‏ الجوهر هو القائم بالذات القابل للمتضادات‏.‏

وقال قائلون‏:‏ الجوهر ما إذا وجد كان حاملاً للأعراض وزعم صاحب هذا القول أن الجواهر جواهر بأنفسها وأنها تعلم جواهر قبل أن تكون والقائل بهذا القول هو الجبائي‏.‏

وقال الصالحي‏:‏ الجوهر هو ما احتمل الأعراض وقد يجوز عنده ن يوجد الجوهر ولا يخلق الله فيه عرضاً ولا يكون محلاً للأعراض إلا أنه محتمل لها‏.‏

 

واختلفوا في الجواهر هل هي كلها أجسام أو قد يجوز وجود جواهر ليست بأجسام

على ثلاثة أقاويل‏:‏ فقال قائلون‏:‏ ليس كل جوهر جسماً والجوهر الواحد الذي لا ينقسم محال أن يكون جسماً لأن الجسم هو الطويل العريض العميق وليس الجوهر الواحد كذلك وهذا قول أبي الهذيل ومعمر وإلى هذا القول يذهب الجبائي‏.‏

وقال قائلون‏:‏ لا جوهر إلا جسم وهذا قول الصالحي‏.‏

وقال قائلون‏:‏ الجواهر على ضربين‏:‏ جواهر مركبة وجواهر بسيطة غير مركبة فما ليس بمركب من الجواهر فليس بجسم وما هو مركب منها فجسم‏.‏

واختلف الناس هل الجواهر جنس واحد وهل جوهر العالم جوهر واحد على سبعة أقاويل‏:‏ فقال قائلون‏:‏ جوهر العالم جوهر واحد وأن الجواهر إنما تختلف وتتفق بما فيها من الأعراض وكذلك تغايرها بالأعراض إنما تتغاير بغيرية يجوز ارتفاعها فتكون الجواهر عيناً واحدة شيئاً واحداً وهذا قول أصحاب أرسطاطاليس‏.‏

وقال قائلون‏:‏ الجواهر على جنس واحد وهي بأنفسها جواهر وهي متغايرة بأنفسها ومتفقة بأنفسها وليست تختلف في الحقيقة والقائل بهذا هو الجبائي‏.‏

وقال قائلون‏:‏ الجوهر جنسان مختلفان أحدهما نور والآخر ظلمة وأنهما متضادان وأن النور كله جنس واحد والظلام كله جنس واحد وهم أهل التثنية وذكر عن بعضهم أن كل واحد منهما خمسة أجناس من سواد وبياض وحمرة وصفرة وخضرة‏.‏

وقال قائلون‏:‏ الجواهر ثلاثة أجناس مختلفة وهو المرقونية‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ الجواهر أربعة أجناس متضادة من حرارة وبرودة ورطوبة ويبوسة وهم أصحاب الطبائع‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ الجواهر خمسة أجناس متضادة أربع طبائع وروح‏.‏

وقال قائلون‏:‏ الجواهر أجناس متضادة منها بياض ومنها سواد وصفرة وحمرة وخضرة ومنها حرارة ومنها برودة ومنها حلاوة ومنها حموضة ومنها روائح ومنها طعوم ومنها رطوبة ومنها يبوسة ومنها صور ومنها أرواح وكان يقول‏:‏ الحيوان كله جنس واحد وهذا قول النظام‏.‏

واختلفوا في الجواهر هل يجوز على جميعها ما يجوز على بعضها وهل يجوز أن يحل الجوهر الواحد ما يجوز أن يحل الجواهر جميعها وهل يجوز وجودها ولا أعراض فيها أم يستحيل ذلك‏.‏

فقال قائلون‏:‏ يجوز على الواحد من الجواهر ما يجوز على جميعها من الأعراض من الحياة والقدرة والعلم والسمع والبصر وأجازوا حلول ذلك أجمع في الجزء الذي لا يتجزأ إذا كان منفرداً وأجازوا حلول القدرة والعلم والسمع والبصر مع الموت ومنعوا حلول الحياة مع الموت في وقت واحد قالوا لأن الحياة تضاد الموت ولا تضاد القدرة الموت لأن القدرة لو ضادت الموت لضاد العجز الحياة لأن ما ضاد شيئاً عندهم فضده مضاد لضده وزعموا أن الإدراك جائز كونه عندهم مع العمى ومنعوا كون البصر مع العمى لأن البصر عندهم مضاد للعمى وزعموا أن الحياة لا تضاد الجمادية وأنه جائز أن يخلق الله مع الجمادية حياة وجوزوا أن يعري الله الجواهر من الأعراض وأن يخلقها لا أعراض فيها والقائلون بهذا القول أصحاب أبي الحسين الصالحي وكان أبو الحسين يذهب إلى هذا القول وجوز أبو الحسين الصالحي أن يجمع الله بين الحجر الثقيل والجو أوقاتاً كثيرة ولا يخلق هبوطاً ولا ضد الهبوط وأن يجمع بين القطن والنار وهما على ما هما عليه ولا يخلق إحراقاً ولا ضد الإحراق وأن يجمع بين البصر الصحيح والمرئي مع عدم الآفات ولا يخلق إدراكاً ولا ضد الإدراك وأحالوا أن يجمع الله بين المتضادات وجوزوا أن يعدم الله قدرة الإنسان مع وجود حياته فيكون حياً غير قادر وأن يفني حياته مع وجود قدرته وعلمه فيكون عالماً قادراً ميتاً وجوزوا أن يرفع الله تعالى ثقل السموات والأرضين من غير أن ينقص شيئاً من أجزائهما حتى يكونا أخف من ريشة وأحال أن يوجد الله تعالى أعراضاً لا في مكان وأحال أن يفني الله قدرة الإنسان مع وجود فعله فيكون فاعلاً بقدرة وهي معدومة‏.‏

وقال قائلون‏:‏ لا يجوز على الجوهر الواحد الذي لا ينقسم ما يجوز على الأجسام ولا يجوز أن يتحرك الجوهر الواحد ولا أن يسكن ولا أن ينفرد ولا أن يماس ولا أن يجامع ولا أن يفارق وهذا قول هشام وعباد وأحال عباد أن يوجد حي لا قادر وأن يوجد الجسم مع عدم الأعراض كلها وأحال أن يوجد الفعل من الإنسان مع العجز بقدرة وقد عدمت‏.‏

وقال قائلون‏:‏ يجوز على الجوهر الواحد الذي لا ينقسم إذا انفرد ما يجوز على الأجسام من الحركة والسكون وما يتولد عنهما من المجامعة والمفارقة وسائر ما يتولد عنهما مما يفعل الآدميون كهيئته فأما الألوان والطعوم والأراييح والحياة والموت وما أشبه ذلك فلا يجوز حلوله في الجوهر ولا يجوز حلول ذلك إلا في الأجسام وأن الجسم إذا تحرك ففي جميع أجزائه حركة واحدة تنقسم على الأجزاء وأحال قائلو هذا القول أن يعري الله الجوهر من الأعراض والقائل بهذا القول أبو الهذيل وكان يقول أن الإدراك يحل في القلب لا في العين وهو علم الاضطرار‏.‏

وقال قائلون‏:‏ يجوز على الجوهر الواحد الذي لا ينقسم ما يجوز على الجسم من الحركة والسكون واللون والطعم والرائحة إذا انفرد وأحالوا حلول القدرة والعلم والحياة فيه إذا انفرد وجوزوا أن يخلق الله حياً لا قدرة فيه وأحالوا تعري الجوهر من الأعراض والقائل بهذا القول محمد بن عبد الوهاب الجبائي‏.‏

وأحال سائر أهل الكلام غير صالح والصالحي أن يجمع الله بين العلم والقدرة والموت والجمادية والحياة والقدرة‏.‏

فأما الجمع بين الحجر الثقيل والجو أوقاتاً كثيرة من غير أن يخلق انحداراً وهبوطاً بل يحدث سكوناً والجمع بين النار والقطن من غير أن يحدث احتراقاً بل يحدث ضد ذلك فقد جوز ذلك أبو الهذيل والجبائي وكثير من أهل الكلام وغلا أبو الهذيل في هذا الباب غلواً كبيراً حتى جوز اجتماع الفعل المباشر والموت واجتماع الإدراك والعمى واجتماع الخرس الذي هو منع عجز الكلام مع الكلام وجوز وجود أقل قليل المشي مع الزمانة كما جوز وجود أقل قليل الكلام مع الخرس ولم يجوز وجود العلم مع الموت ولا جوز وجود القدرة مع الموت ولا جوز وجود الإدراك مع الموت‏.‏

فأما وجود الإدراك مع العمى فقد جوز ذلك بعض المتكلمين وقد حكي أن أبا الهذيل كان ينكر أن توجد الإرادة بقدرة معدومة حتى يكون العجز مجامعاً لها‏.‏

وكان الإسكافي ينكر كل الفعل المباشر الذي يحل في الإنسان بقوة معدومة وأن يكون مجامعاً لعجز الإنسان ويجيز أن يجامع الفعل المتولد العجز والموت ويجوز اجتماع النار والحطب أوقاتاً من غير أن يحدث الله سبحانه إحراقاً وأن يثبت الحجر أوقاتاً كثيرة من غير أن يحدث الله سبحانه فيه هبوطاً وينكر اجتماع الإدراك مع العمى والكلام والخرس والمشي والزمانة والعلم والموت والقدرة والموت ويحيل أن يفرد الله الحياة من القدرة حتى يكون الإنسان حياً غير قادر‏.‏

 

واختلفوا هل يجوز أن يحل اليد علم وإدراك وقدرة على العلم أم لا يجوز ذلك

فجوز ذلك بعض المتكلمين منهم الإسكافي وغيره وأنكره بعضهم وأحاله إلا أن تنقض بنية اليد وتحول عما هي عليه منهم الجبائي‏.‏

وأنكر كثير من أهل الكلام ما حكينا من مجامعة الحجر الجو أوقاتاً من غير أن يحدث الله سبحانه انحداراً ومجامعة النار الحطب أوقاتاً من غير أن يحدث الله إحراقاً وكذلك أنكروا كون الإدراك مع العمى والكلام مع الخرس ووقوع الفعل ي بقدرة معدومة ووجود الزمانة مع المشي ووجود العلم مع الموت ويحيلون أن يفرد الحياة من القدرة حتى يكون الإنسان حياً غير قادر وهذا قول بعض البغداذيين الخياط وغيره‏.‏

واختلف الناس في الجسم هل يجوز أن يتفرق أو يبطل ما فيه من الاجتماع حتى يصير جزءاً لا يتجزأ أم لا يجوز ذلك وفيما يحل في الجسم على أربع عشرة مقالة‏:‏ فقال أبو الهذيل أن الجسم يجوز أن يفرقه الله سبحانه ويبطل ما فيه من الاجتماع حتى يصير جزءاً لا يتجزأ وأن الجزء الذي لا يتجزأ لا طول له ولا عرض له ولا عمق له ولا اجتماع فيه ولا افتراق وأنه قد يجوز أن يجامع غيره وأن يفارق غيره وأن الخردلة يجوز أن تتجزأ نصفين ثم أربعة ثم ثمانية إلى أن يصير كل جزء منها لا يتجزأ وأجاز أبو الهذيل على الجزء الذي لا يتجزأ الحركة والسكون والانفراد وأن يماس ستة أمثاله بنفسه وأن يجامع غيره ويفارق غيره وأن يفرد الله فتراه العيون ويخلق فينا رؤية له وإدراكاً له ولم يجز عليه اللون والطعم والرائحة والحياة والقدرة والعلم وقال‏:‏ لا يجوز ذلك إلا للجسم وأجاز عليه من الأعراض ما وصفنا‏.‏

وكان الجبائي يثبت الجزء الذي لا يتجزأ ويقول أنه يلقي بنفسه ستة أمثاله ويجيز عليه الحركة والسكون واللون والكون والمماسة والطعم والرائحة إذا كان منفرداً وينكر أن يحله طول أو تأليف وهو منفرد أو يحله علم أو قدرة أو حياة وهو منفرد‏.‏

وكان أبو الهذيل ينكر أن يكون الجسم طويلاً أو عريضاً أو عميقاً مؤتلفاً ويقول أنه يجتمع شيئان ليس كل واحد منهما طويلاً فيكون طويلاً واحداً‏.‏

وقال هشام الفوطي بإثبات الجزء الذي لا يتجزأ غير أنه لم يجز عليه أن يماس أو يباين أو يرى وأجاز على أركان الجسم ذلك والركن ستة أجزاء عنده والجسم من ستة أركان وقد حكينا وحكى النظام في كتابه الجزء أن زاعمين زعموا أن الجزء الذي لا يتجزأ شيء لا طول له ولا عرض ولا عمق وليس بذي جهات ولا مما يشغل الأماكن ولا مما يسكن ولا مما يتحرك ولا يجوز عليه أن ينفرد وهذا القول يذهب إليه عباد بن سليمان ويقول أن الجزء لا يجوز عليه الحركة والسكون والكون والإشغال للأماكن وليس بذي جهات ولا يجوز عليه الانفراد ويقول معنى الجزء أن له نصفاً وأن النصف له نصف‏.‏

وحكى النظام أن قائلين قالوا أن الجزء له جهة واحدة وكنحو ما يظهر من الأشياء وهي الصفحة التي تلقاك منها‏.‏

وحكى النظام أيضاً أن قائلين قالوا‏:‏ الجزء له ست جهات هي أعراض فيه وهي غيره وهو لا يتجزأ وأعراضه غيره وعليه وقع العدد وهو لا يتجزأ من جهاته الأعلى والأسفل واليمين والشمال والقدام والخلف‏.‏

وحكى أن آخرين قالوا أن الجزء قائم إلا أنه لا يقوم بنفسه ولا يقوم بشيء من الأشياء أقل من ثمانية أجزاء لا تتجزأ فمن سأل عن جزء منها فإنما يسأل عن إفراده وهو لا ينفرد ولكنه يعلم والكلام على الثمانية وذلك أن الثمانية لها طول وعرض وعمق فالطول جزءان والطول إلى الطول بسيط له طول وعرض والبسيط إلى البسيط جهة لها طول وعرض وعمق‏.‏

وحكى أن آخرين قالوا‏:‏ تتجزأ الأجزاء حتى تنتهي إلى جزأين فإذا هئت لقطعهما أفناهما القطع وإن توهمت واحداً منهما لم تجده في وهمك ومتى فرقت بينهما بالوهم وغير ذلك لم تجد إلا فناءهما هذا آخر ما حكاه النظام‏.‏

وقال صالح قبة بإثبات الجزء الذي لا يتجزأ وأحال أن يلقي الجزء ستة أمثاله أو مثليه وقال‏:‏ يستحيل أن يلقى الجزء الواحد جزأين وجوز أن يحله جميع الأعراض إلا التركيب وحده‏.‏

وجوز أبو الحسين الصالحي على الجزء الذي لا يتجزأ الأعراض كلها وأنه قد يحله المعنى الذي إذا جامع غيره سمي المعنى تركيباً ولكن لا نسميه تركيباً اتباعاً للغة‏.‏

وزعم ضرار وحفص الفرد والحسين النجار أن الأجزاء هي اللون والطعم والحر والبرد والخشونة واللين وهذه الأشياء المجتمعة هي الجسم وليس للأجزاء معنى غير هذه الأشياء وأن قل ما يوجد من الأجزاء عشرة أجزاء وهو أقل قليل الجسم وأن هذه الأشياء متجاورة ألطف مجاورة وأنكروا المداخلة‏.‏

وقال معمر أن الإنسان جزء لا يتجزأ وأجاز أن يحل فيه العلم والقدرة والحياة والإرادة والكراهة ولم يجز أن يحل فيه المماسة والمباينة والحركة والسكون واللون والطعم والرائحة‏.‏

وقال النظام‏:‏ لا جزء لا وله جزء ولا بعض إلا وله بعض ولا نصف إلا وله نصف وأن الجزء وقال بعض المتفلسفة أن الجزء يتجزأ ولتجزئته غاية في الفعل فأما في القوة والإمكان فليس لتجزئته غاية‏.‏

وشك شاكون فقالوا‏:‏ لا ندري أيتجزأ الجزء أم لا يتجزأ‏.‏

وقال قائلون ممن أثبت الجزء الذي لا يتجزأ‏:‏ للجزء طول في نفسه بقدره ولولا ذلك لم يجز أن يكون الجسم طويلاً أبداً لأنه إذا جمع بين ما لا طول له وبين ما لا طول له لم يحدث له طول أبداً‏.‏

 

واختلفوا في الجزء الواحد هل يجوز أن يحله حركتان أم لا

وهل يجوز أن يحله لونان وقوتان أم لا‏:‏ فقال قائلون‏:‏ لا يجوز أن يحل الجزء الواحد حركتان وهذا قول أبي الهذيل وأكثر من يثبت الجزء الذي لا يتجزأ‏.‏

وقال قائلون‏:‏ الجزء الواحد قد يجوز أن يحله حركتان وذلك إذا دفع الحجر دافعان حل كل جزء منه حركتان معاً والقائل بهذا القول هو الجبائي‏.‏

وقال أبو الهذيل أنها حركة واحدة تنقسم على الفاعلين فهي حركة واحدة لأجزاء كثيرة فعلان متغايران وزعم أن الأعراض تنقسم بالمكان أو بالزمان أو بالفاعلين فزعم أن حركة الجسم تنقسم على عدد أجزائه وكذلك لونه فما حل هذا الجزء من الحركة غير ما حل الجزء الآخر وأن الحركة تنقسم بالزمان فيكون ما وجد في هذا الزمان غير ما يوجد في الآخر وأن الحركة تنقسم وأنكر الجبائي وغيره من أهل النظر أن تكون الحركة الواحدة تنقسم أو تتجزأ أو أن تتبعض أو أن يكون حركة أو لون أو قوة لأحد الأشياء وقال أن الجسم إذا تحرك ففيه من الحركات بعدد أجزاء المتحرك في كل جزء حركة وكذلك قوله في اللون وفي سائر الأعراض‏.‏

وقد أنكر قوم أن يحل الجزء الواحد حركتان وطولان وجوزوا أن يحله لونان منهم الإسكافي وجوز الإسكافي أن يحل الجزء الذي لا يتجزأ لونان وقوتان حتى جوز أن يحل الجزء الذي لا يتجزأ لون السماء بكمالها‏.‏

وقال قائلون‏:‏ قد يجوز أن يحله لونان وقوتان على ما يحتمل فأما لون السماء فلا يحتمله‏.‏

وقال قائلون‏:‏ محال أن يكون عرضان في موضع واحد وهما في الجسم على المجاورة وزعموا أن القوة والحركة عرضان في موضع واحد‏.‏

وقال قائلون‏:‏ لا يجوز أن يحل الجزء الواحد حركتان ولا يجوز أن يحله لونان وكذلك قالوا في سائر الأعراض ولا يجوز أن يحل الجزء الواحد الذي لا يتجزأ من جنس واحد عرضان‏.‏

وقال قائلون‏:‏ يجوز أن يحل الجزء الواحد قدرتان على مقدور واحد وأنكر ذلك غيرهم‏.‏

وقال عباد بن سليمان أنه قد يجوز أن يجتمع في الجسم ألمان ولذتان وأنه قد يجوز أن يحله تأليفان وأكثر من ذلك فيكون هو بأحدهما مؤلفاً مع غيره وبالآخر مؤلفاً مع غيره‏.‏

واختلف الناس في الطفرة‏:‏ فزعم النظام أنه قد يجوز أن يكون الجسم الواحد في مكان ثم يصير إلى المكان الثالث ولم يمر بالثاني على جهة الطفرة واعتل في ذلك بأشياء منها الدوامة يتحرك أعلاها أكثر من حركة أسفلها ويقطع الحز أكثر مما يقطع أسفلها وقطبها قال‏:‏ وإنما ذلك لأن أعلاها يماس أشياء لم يكن حاذى ما قبلها‏.‏

وقد أنكر أكثر أهل الكلام قوله منهم أبو الهذيل وغيره وأحالوا أن يصير الجسم إلى مكان لم يمر بما قبله وقالوا‏:‏ هذا محال لا يصح وقالوا أن الجسم قد يسكن بعضه وأكثره متحرك وأن للفرس في حال سيره وقفات خفية وفي شدة عدوه مع وضع رجله ورفعها ولهذا كان أحد الفرسين أبطأ من صاحبه وكذلك الحجر في حال انحداره وقفات خفية بها كان أبطأ من حجر آخر أثقل منه أرسل معه وقد أنكر كثير من أهل النظر أن تكون للحجر في حال انحداره وقفات من الفلاسفة وغيرهم وقالوا أن الحجرين إذا أرسلا سبق أثقلهما لأن أخف الحجرين يعترض له من الآفات أكثر مما يعترض على الحجر الأثقل فيتحرك في جهة اليمين والشمال والقدام والخلف ويقطع الحجر الآخر في حال العوائق التي تلحق هذا الحجر في جهة الانحدار فيكون هذا أسرع‏.‏

وكان الجبائي يقول أن للحجر في حال انحداره وقفات وكان يقول أن القوس الموترة فيها حركات خفية وكذلك الحائط المبني وتلك الحركات هي التي تولد وقوع الحائط والحركات التي في القوس والوتر هي التي يتولد عنها انقطاع الوتر‏.‏

واختلف المتكلمون في الجسم يكون ملازماً لمكان ومكانه سائر متحرك هل الجسم الملازم لذلك المكان متحرك أم لا على مقالتين‏:‏ فزعم كثير من المتكلمين منهم الجبائي وغيره أن الجسم إذا كان مكانه متحركاً فهو متحرك وهذه حركة لا عن شيء وجوزوا أن يتحرك المتحرك لا عن شيء ولا إلى شيء وأن يحرك الله سبحانه العالم لا في شيء‏.‏

وقد كان أبو الهذيل يقول‏:‏ يجوز أن يتحرك الجسم لا عن شيء ولا إلى شيء‏.‏

وقال قائلون‏:‏ إذا تحرك مكان الشيء والشيء لازم لمكان واحد فهو ساكن غير متحرك وأحال هؤلاء أن يتحرك المتحرك لا عن شيء ولا إلى شيء‏.‏

وكان النظام ممن يحيل أن يتحرك المتحرك لا في شيء ولا إلى شيء‏.‏